روائع مختارة | قطوف إيمانية | الرقائق (قوت القلوب) | صيام ستة أيام من شوال.. مرة أخرى

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
روائع مختارة
الصفحة الرئيسية > روائع مختارة > قطوف إيمانية > الرقائق (قوت القلوب) > صيام ستة أيام من شوال.. مرة أخرى


  صيام ستة أيام من شوال.. مرة أخرى
     عدد مرات المشاهدة: 2810        عدد مرات الإرسال: 0

كنت قد شرعت في كتابة مقالي هذا، بعد قراءتي لما كتبه - الدكتور - يوسف أبا الخيل، في - صحيفة الرياض - يوم السبت، الموافق: 30-9-1433 هـ، مقالا، بعنوان: «صيام ستة أيام من شوال: هل ورد فيه دليل خالٍ من المعارضة ؟».

فوجدت أن هناك قضايا ربما فاتت زميلي، ولم يناقشها، - لاسيما - وأن مثل هذه المواضيع تحتاج إلى تفصيل، وتوضيح بتأصيل علمي دقيق؛ حتى لا يتم التشويش على أفكار الناس بمخالفة قول مشهور، أو الإتيان بقول مهجور، قد ردّه العلماء من عصور.
 
بنى الكاتب قوله في عدم مشروعية صيام الست من شوال على أمرين اثنين، أحدهما: على الدليل الوارد في فضل صيام ستة أيام من شوال، وأنه ربما شابه ما قد يُضعف من الجزم بصوابية تلك العبادة، وذاك الضعف - حسب قوله - آت من أن أبرز مدار تشريعها على ما جاء في حديث أبي أيوب الأنصاري - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:

«من صام رمضان ثم أتبعه ستاً من شوال فذلك صيام الدهر»، ذلك أن في سند هذا الحديث: سعد بن سعيد، وهذا الراوي، كما يقول ابن مفلح المقدسي في الفروع: «مختلف فيه، وضعفه - الإمام - أحمد»، كما ضعفه جمع من أئمة الجرح، والتعديل، كالحافظ بن حجر، والنسائي، وابن حبان.
 
وقد علق - الحافظ - شمس الدين ابن القيم - رحمه الله - على هذه الجزئية، فقال: ‏هذا الحديث قد اختلف فيه، فأورده مسلم في صحيحه. وضعفه غيره، وقال: هو من رواية سعد بن سعيد أخي يحيى بن سعيد.

قال النسائي في سننه: سعد بن سعيد ضعيف. كذلك قال أحمد بن حنبل: يحيى بن سعيد، الثقة المأمون، أحد الأئمة، وعبد ربه بن سعيد، لا بأس به، وسعد بن سعيد، - ثالثهم - ضعيف. وذكر عبد الله بن الزبير الحميدي: هذا الحديث في مسنده: وقال الصحيح موقوفا. وقد روى الإخوة الثلاثة هذا الحديث عن عمر بن ثابت. ‏
 
‏فمسلم أورده من رواية سعد بن سعيد، ورواه النسائي من حديثه مرفوعا، ومن حديث عبد ربه بن سعيد موقوفا. ورواه - أيضا - من حديث يحيى بن سعيد مرفوعا. وقد رواه - أيضا - ثوبان عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «صيام شهر رمضان بعشرة أشهر، وصيام ستة أيام بشهرين، فذاك صيام سنة»، رواه النسائي، وفي لفظ له - أيضا -: أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول:

«جعل الله الحسنة بعشرة، فشهر بعشرة أشهر، وستة أيام بعد الفطر تمام السنة»، قال الترمذي: وفي الباب عن جابر، وأبي هريرة، وثوبان، وقد أعل حديث أبي أيوب من جهة طرقه - كلها -. أما رواية مسلم، فعن سعد بن سعيد، وأما رواية - أخيه - عبد ربه، فقال النسائي: فيه عتبة، ليس بالقوي، يعني راويه عن عبد الملك بن أبي بكر عن يحيى، وأما حديث عبد ربه، فإنما رواه موقوفا. ‏
 
وهذه العلل، وإن منعته أن يكون في أعلى درجات الصحيح، فإنها لا توجب وهنه. وقد تابع سعدا، ويحيى، وعبد ربه عن عمر بن ثابت، عثمان بن عمرو الخزاعي عن عمر، لكن قال: عن عمر عن محمد بن المنكدر عن أبي أيوب.

ورواه - أيضا - صفوان بن سليم عن عمر بن ثابت، ذكره ابن حبان في صحيحه، وأبو داود، والنسائي، فهؤلاء خمسة: يحيى، وسعيد، وعبد ربه، بنو سعيد، وصفوان بن سليم، وعثمان بن عمرو الخزاعي، - كلهم - رووه عن عمرو، فالحديث صحيح. ‏
 
‏وأما حديث ثوبان، فقد رواه ابن حبان في صحيحه، ولفظه: «من صام رمضان، وستا من شوال، فقد صام السنة». ورواه ابن ماجة، ولفظه: «من صام رمضان، وستة أيام بعد الفطر كان تمام السنة، من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها».

وأما حديث جابر: فرواه أحمد في مسنده عن أبي عبد الرحمن المقري عن سعيد بن أبي أيوب عن عمرو بن جابر الحضرمي عن جابر عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، وعمرو بن جابر ضعيف، ولكن قال أبو حاتم الرازي: هو صالح، له نحو عشرين حديثا. وقال أبو نعيم الأصبهاني: روي عن عمرو بن دينار، ومجاهد عن جابر - مثله -. ‏
 
وأما حديث أبي هريرة: فرواه أبو نعيم من حديث ليث بن أبي سليم عن مجاهد عنه عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -. ورواه من حديث عبد الله بن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبي سعيد عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. قال أبو نعيم: ورواه عمرو بن دينار عن عبد الرحمن بن أبي هريرة عن أبيه، ورواه إسماعيل بن رافع عن أبي صالح عن أبي هريرة. وهذه الطرق تصلح للاعتبار، والاعتضاد. وقد احتج أصحاب السنن الأربعة بليث.

وقد روى حديث شداد بن أوس، قال عبد الرحمن بن أبي حاتم، في كتاب العلل: سمعت أبي، وذكر حديثا رواه سويد بن عبد العزيز عن يحيى بن الحارث عن أبي الأشعث الصنعاني عن أبي أسماء عن ثوبان مرفوعا: «من صام رمضان، وأتبعه بست من شوال»، قال أبي:

هذا وهم من سويد، قد سمع يحيى بن الحارث هذا الحديث من أبي أسماء، إنما أراد سويد، ما حدثنا صفوان بن صالح، أخبرنا مروان الطاطري عن يحيى بن حمزة عن يحيى بن الحارث عن أبي الأشعث الصنعاني عن شداد بن أوس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال «من صام رمضان..» الحديث.

وهذا إسناد ثقات - كلهم -، ثم قال ابن أبي حاتم بعد ذلك: سئل أبي عن حديث رواه مروان الطاطري عن يحيى بن حمزة، وذكر هذا حديث: شداد بن أوس قال: سمعت أبي يقول: الناس يروون عن يحيى بن الحارث عن أبي أسماء عن ثوبان عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. قلت لأبي: أيهما الصحيح؟، قال: جميعا صحيح. ‏
 
وقال الدارقطني: حدثنا إبراهيم بن محمد الرقي، أخبرنا أبو همام أخبرنا يحيى بن حمزة عن إسحاق بن عبد الله قال: حدثني سعد بن سعيد عن عدي بن ثابت عن البراء بن عازب عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «من صام ستة أيام بعد الفطر، فكأنما صام الدهر كله».

ويحيى بن حمزة، قاضي دمشق صدوق، وأبو همام الوليد بن شجاع السكوني، أخرج له مسلم، وهذا غريب، لعله اشتبه على بعض رواته عمر بن ثابت بعدي بن ثابت، وتأكد الوهم، فجعله عن البراء بن عازب؛ لكثرة رواية عدي بن ثابت عنه. ‏
 
فالحديث صححه أئمة الحديث، وجهابذته كما اتضح، وفي مقدمتهم: - الإمام - مسلم وكفاك به جلالة، وقبله - الإمام - ابن المبارك، وأبو داود، والترمذي، والنسائي في الكبرى مع شدة تحريه، وتوقيه، وتثبته في نقد الرجال، وابن خزيمة، وابن حبان، والبيهقي، والبغوي في شرح السنة (6-331)، والمنذري، والنووي، والهيثمي، وابن حجر، والعراقي، - وشيخ الإسلام - ابن تيمية، فقد ذكره في الفتاوى (22-303)، شارحاً له، وموجهاً، - وكذا - تلميذه - الإمام - ابن القيم كما في زاد المعاد (2-81).
 
ولم يتوقف أحد من أئمة الحديث - قديماً وحديثاً - في تصحيح الحديث، فممن صحّح الحديث: مسلم، والترمذي، وابن خزيمة، وابن حبان، والبيهقي، وآخرون، ومن المتأخرين: ابن القيم، وابن الملقن، وابن حجر، وغيرهم كثير، ولا أعلم أحداً قال بتضعيف الحديث سوى - الحافظ - ابن دحية، فيما نقله عنه ابن الملقن في البدر المنير (5-752).
 
ومن صحّح الحديث من المعاصرين - العلامة - الألباني، وعبد القادر الأناؤوط، - وسماحة الشيخ - عبد العزيز بن باز - والشيخ - محمد بن عثيمين، - والشيخ - صالح الفوزان، وكل من علمناه من المشهورين بالعلم، والفتيا ممن لا يحصون كثرة. فهل يعقل أن أولئك العلماء الأفاضل - رحمهم الله -، كأمثال: - الشيخ - الألباني ـ رحمه الله ـ، مجدد الحديث، ومصححه في عصرنا، يروجون لحديث ضعيف؟.
 
فلا عبرة إذن بتضعيف غيرهم له، ممن ليس من أهل الصنعة، والإتقان، والخبرة بالروايات، والرواة. - وكذا - لا عبرة بقول من لم يصله الحديث، أو يعلم بصحته، فمن علم حجة على من لم يعلم، كما هو مقرر عند أهل العلم. - وكذا - لا يضر رفع الحديث للرسول - صلى الله عليه وسلم - ورود بعض الروايات الموقوفة على الصحابة، كما هو مقرر في علم أصول الحديث.
 
يتبين مما سبق، أن الحديث أخرجه مسلم في صحيحه، وصححه ابن خزيمة، وابن حبان، والنووي، وابن القيم، وغيرهم. وقال الترمذي: حديث حسن صحيح، وقد توبع سعد بن سعيد الأنصاري في روايته عن عمر بن ثابت، فتابعه أخوه يحيى بن سعيد، وعبد ربه بن سعيد، وصفوان بن سليم .كما أن الحديث له شواهد منها:
 
1 - حديث ثوبان - رضي الله عنه - عند أحمد، والنسائي، وابن ماجه، وابن خزيمة، وابن حبان.
 
2 - حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - عند البزار، والطبراني، وأبي عوانة في مسنده.
 
3 - حديث جابر بن عبد الله - رضي الله عنهما - عند أحمد، والطبراني، والبزار، والبيهقي في السنن الكبرى.
 
4 - حديث ابن عباس - رضي الله عنهما - عند أحمد، والبزار، والبيهقي في السنن الكبرى.
 
5 - حديث عائشة - رضي الله عنها - عند الطبراني.
 
6 - حديث ابن عمر - رضي الله عنهما - عند الطبراني.
 
7 - حديث البراء بن عازب - رضي الله عنه - عند الدارقطني، وإن كان بعض هذه الشواهد لا يخلو من مقال.
 
أما ما ذكره - الدكتور - يوسف أبا الخيل: من كراهية - إمام أهل المدينة - مالك بن أنس - رحمه الله صيامها -، وعلّل ذلك بقوله، كما في باب جامع الصيام من كتابه الموطأ: «إنه لم ير أحدا من أهل العلم، والفقه يصومها، ولم يبلغني ذلك عن أحد من السلف.

وإن أهل العلم يكرهون ذلك، ويخافون بدعته، وأن يُلحِق برمضان ما ليس منه أهلُ الجهالة، والجفاء، لو رأوا في ذلك رخصة عند أهل العلم، ورأوهم يعملون ذلك». كما كره أبو حنيفة - رحمه الله - صيامها - أيضا -؛ لما قد يُظن، كما يقول الشوكاني: وجوبها.
 
وللرد على هذه المسألة، فإن الاحتجاج بقول - الإمام - مالك - رحمه الله -: «ولم أر أحدا من أهل العلم، والفقه يصومها..» الخ، فهذا على حد علمه، كما يقول - الدكتور - هشام بن عبد العزيز الحلاف، وإلا فقد نقل الترمذي، وغيره عن جماعة من السلف: أنهم استحبوا صيامها، ككعب الأحبار، وابن عباس، وطاووس، والشعبي، وميمون بن مهران، وبعدهم: ابن المبارك، والشافعي، وأحمد، وغيرهم، فليس قول مالك بأولى من قول غيره، ثم إن المثبت مقدم على النافي كما لا يخفى.
 
ثم إن مالكاً رد الحديث بعدم عمل أهل العلم، والمقصودون هم: أهل المدينة، وما قاله ليس بصحيح؛ لأن المعوّل هو على صحة الحديث، وقد صحّ كما سبق، ثم إن الحديث قد عمل به جماعة من أهل العلم كما سبق. قال ابن القيم: «وكون أهل المدينة في زمن مالك لم يعملوا به، لا يوجب ترك الأمة - كلهم - له، وقد عمل به أحمد، والشافعي، وابن المبارك، وغيرهم».

وقال النووي في المجموع (6-437): «وأما قول مالك: (لم أر أحداً يصومها)، فليس بحجة في الكراهة؛ لأن السنة ثبتت في ذلك بلا معارض، فكونه لم ير، لم يضر). - وبنحوه - قال الشوكاني في نيل الأوطار (4-322).
 
وقد اعتذر بعض علماء المالكية - رحمهم الله -، عن عدم عمل مالك بالحديث بأعذار متعددة: فمنهم من قال: بأنه كره صومها؛ لئلا يظن وجوبها، وقد رد هذه العلة جماعة من أهل العلم، كالنووي في شرح مسلم (8-56)، وفي المجموع (6-437)، والشوكاني في نيل الأوطار (4-322)، والصنعاني في سبل السلام (2-167)، وغيرهم، قال الشوكاني في النيل: «واستدلا، أي: أبوحنيفة، ومالك على ذلك، بأنه: ربما ظن وجوبها، وهو باطل لا يليق بعاقل، - فضلا - عن عالم نصب مثله في مقابلة السنة الصحيحة الصريحة، - وأيضا - يلزم مثل ذلك في سائر أنواع الصوم المرغب فيها، ولا قائل به».
 
ومنهم من قال: بأنه كره صومها؛ خوفاً من إلحاقها برمضان، ولذلك نص القرافي في الذخيرة (2-350)، وابن شاس في عقد الجواهر الثمينة (1-369)، وهما من المالكية، على أن مالكاً يستحب صيامها في غير شوال، وإنما عيّنها الشرع في شوال؛ للخفة على المكلف بسبب قربه من الصوم. - ولذا - قال مطرف: كان مالك يصومها في خاصة نفسه.
 
وما أحسن ما قاله أبو عمر ابن عبدالبر في الاستذكار (3-380): «لم يبلغ مالكاً حديث أبي أيوب، على أنه حديث مدني! والإحاطة بعلم الخاصة لا سبيل إليه، والذي كرهه له مالك أمر قد بينه، وأوضحه، وذلك خشية أن يضاف إلى فرض رمضان، وأن يستبين ذلك إلى العامة، وكان - رحمه الله - متحفظاً، كثير الاحتياط للدين».

ثم قال أيضاً: «وأما صيام الستة الأيام من شوال على طلب الفضل، وعلى التأويل الذي جاء به ثوبان - رضي الله عنه -، فإن مالكا لا يكره ذلك إن شاء الله».
 
وتأمل إلى إنصاف - الإمام - ابن عبدالبر، وهو مالكي، - وكذا - فعل مثله - أيضاً - جماعة من المالكية، منهم: ابن رشد في بداية المجتهد (2-600)، فإنهم صرحوا بثبوت الحديث، وبالعمل به، وهذا من الإنصاف الذي يجب أن يتحلى به طلاب العلم جميعاً.
 
وقد بينت الموسوعة الفقهية - كذلك -: انه نقل عن ابي حنيفة - رحمه الله -، كراهة صوم ستة من شوال متفرقاً كان، أو متتابعًا. وعن أبي يوسف، كراهته متتابعاً لا متفرقاً؛ لكن عامة المتأخرين من الحنفية، لم يروا به بأساً، كما قال ابن عابدين نقلاً عن صاحب الهداية في كتابه «التجنيس والمختار»:

أنه لا بأس به؛ لأن الكراهة إنما كانت؛ لأنه لا يؤمن من أن يعد ذلك من رمضان، فيكون تشبهاً بالنصارى، - والآن - زال ذلك المعنى، كما اعتبر الكاساني، محل الكراهة أن يصوم يوم الفطر، ويصوم بعده خمسة أيام، فأما إذا أفطر يوم العيد، ثم صام بعده ستة أيام، فليس بمكروه، بل هو مستحب، وسنة.
 
وعلق - الإمام - النووي - رحمه الله - في تحفة الأحوذي على قوله: «وقد استحب قوم صيام ستة من شوال لهذا الحديث»، وهذا هو الحق، إذ فيه دلالة صريحة لمذهب الشافعي، وأحمد، وداود، وموافقيهم في استحباب صوم هذه الستة. وقال مالك، وأبو حنيفة: يكره ذلك.

قال مالك في الموطأ: ما رأيت أحدا من أهل العلم يصومها. قالوا: فيكره؛ لئلا يظن وجوبه. ودليل الشافعي، وموافقيه، هذا الحديث الصحيح الصريح، وإذا ثبت السنة لا تترك لترك بعض الناس، أو أكثرهم، أو كلهم لها. وقولهم: قد يظن وجوبها، ينتقض بصوم يوم عرفة، وعاشوراء، وغيرهما من الصوم المندوب.
 
وقد سئلت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية، والإفتاء، «سؤال رقم 34780»، هل صيام ست من شوال مكروه، كما يقول بعض العلماء؟.

وماذا ترى في صيام ستة أيام بعد رمضان من شهر شوال، فقد ظهر في موطأ مالك: أن - الإمام - مالك بن أنس، قال في صيام ستة أيام بعد الفطر من رمضان: إنه لم ير أحداً من أهل العلم، والفقه يصومها، ولم يبلغني ذلك عن أحد من السلف، وأن أهل العلم يكرهون ذلك، ويخافون بدعته، وأن يلحق برمضان ما ليس منه، هذا الكلام في الموطأ - الرقم 228 الجزء الأول -؟ .

فكانت الإجابة على النحو الآتي: الحمد لله، ثبت عن أبي أيوب - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «من صام رمضان ثم أتبعه ستاً من شوال فذاك صيام الدهر»، رواه أحمد (5-417)، ومسلم (2/822)، وأبو داود (2433)، والترمذي (1164)، فهذا حديث صحيح، يدل على أن صيام ستة أيام من شوال سنة.

وقد عمل به الشافعي، وأحمد، وجماعة من أئمة من العلماء، ولا يصح أن يقابل هذا الحديث بما يعلل به بعض العلماء؛ لكراهة صومها من خشية أن يعتقد الجاهل أنها من رمضان، أو خوف أن يظن وجوبها، أو بأنه لم يبلغه عن أحد ممن سبقه من أهل العلم أنه كان يصومها، فإنه من الظنون، وهي لا تقاوم السنة الصحيحة، ومن علم حجة على من لم يعلم .وبالله التوفيق. - اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء -، (10-389).
 
بقي أن أقول: إن الحلال ما أحلّه الله، ورسوله - صلى الله عليه وسلم -، وهو بيّن، وإن الحرام ما حرّمه الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم -، وهو بيّن، وإن الواجب على المسلم الإذعان، والانقياد، والتسليم. وما أجمل عبارة اللخمي - رحمه الله - حين قال: «لا أرى أن يمنع أحد من أن يتقرب إلى الله بشيء من الطاعات، ولا من الازدياد من الخير، في موضع لم يأت بالمنع منه نص».
 
د.سعد بن عبدالقادر القويعي
 
المصدر/ صحيفة الجزيرة